لا أعرف كيف فات على أتباع اليهودية ومن بعدهم الشريعة المسيحية ثم الإسلام، السؤال عن “صحف إبراهيم” وتوثيق نصوصها، رغم أن الشرائع السماوية الثلاث استمدت مصداقيتها من انتساب أنبيائها إلى “الأب” إبراهيم، فلم يصلنا على مدار 4000 عام سوى شذرات قليلة من أقوال وحكم ومواعظ الخليل، مع إشارة متكررة إلى “صحف إبراهيم”، ولكن ما حدث في الأيام الأخيرة يكشف السر، فلم تكن الدعوى المتكررة بإلحاح عن “دين عالمي” يجمع أصحاب الديانات “الإبراهيمية”، إلا إشارة البدء لتأسيس “عرش الدجال” الذي ظن أن الصحف اندثرت، ولم يدري ان الله حافظ كتبه، ومنها هذا الكتاب الذي تصدى له الباحث وائل بسيم ليقدم للمرة الأولى أول ترجمة موثقة للصحف قائمة على نسختين مختلفتين.

اللافت أن محاولة استخدام صحف إبراهيم للترويج لديانة جديدة ليس فكرة قديمة، فقد حاول البعض ترويج أن نصوص الفيدا والروايات التاريخية المنسوبة لها هي نفسها صحف إبراهيم، كما تحتفظ دار الكتب المصرية بعدة مخطوطات مجهولة المصدر، قيل إنها تضم صحف إبراهيم، وهي مجرد نصوص نقلت بتصرف من آيات الذكر الحكيم، مع بعض الأقوال المشهورة كحكم ومواعظ متوارثة عن العهد القديم، وبعض الأحاديث “النادرة” المروية عن الرسول الكريم محمد في ذكر جده الأكبر.

وتبدو لي كل هذه المحاولات لطمس معالم الطريق إلى “صحف إبراهيم” متعمدة على مدار الزمن، حتى يسهل انتحالها ونسبها إلى خدام “الدجال” الذين يسعون لوضع نسق يبدو روحانيا ومليء بالقيم المثالية ومنظومة القوانين الإنسانية، ولكنه في جوهره يسعى لتدمير الأديان وفرض الهيمنة المطلقة على البشر تمهيدا لمعركة اقتربت مع صاحب الحق مجدد الدين الحقيقي الذي يكشف عن نفسه وهو الأخفى بعدة إشارات أولها أن يكون أول من يتحدث عن “الطارق” ويحذر منه، ومن بينها أن يكون أول من يكتشف “الكتاب” الذي ورد ذكره في كل الشرائع دون أن يعرف عامة الناس حقيقته.

 [عن عبدالله بن عباس:] لمّا نزلَتْ إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى قال النبيُّ ﷺ كان كلُّ هذا أوْ كان هذا في صُحُفِ إبراهيمَ ومُوسى

هناك إشارة أولى يجب أن نتوقف عندها قبل الدخول في الكتاب، وهي الإصرار على وصف كتاب إبراهيم ب “الصحف”، والصحف اسم جمع والمفرد منه صحيفة، وتُطلق أيضاً على الكلام الذي في الصحيفة، تدل على الشيء المبسوط من الجلد، أو من الورق، أو من أيّ شيء آخر يُستخدم للكتابة عليه، وهذا يفسر ان كتاب إبراهيم كان “بردية مصرية” وهي المصدر الذي عاد إليه جوزيف سيمث في ترجمته الأولى الشهيرة التي تمت بوحي وإلهام كما يقول، ولكن مصداقيتها الحقيقية تنبع من هذا الكتاب الذي يقدمه وائل بسيم، حيث دعم ترجمته ببردية أخرى نادرة، لينفي عن جوزيف تهمة انتحال نصه بالكامل.

الإشارة الثانية الواجب الالتفات إليها هي فكرة الإلهام، والتي تتحقق أيضا في هذا الكتاب، وتبدو واضحة في صياغة وائل بسيم للغة العربية البعيدة عن أسلوب الكتابة المعتاد، فتظهر نصوص إبراهيم في صحفه عبر هذا الكتاب وكأنها تليت منه مباشرة على وائل، بمفردات هي “البذرة الأولى” لبلاغة ظهرت واضحة في التوراة والإنجيل، واكتملت تفاصيلها في “القرآن الكريم”.

الإشارة الثالثة الواجب التوقف أمام قبل تصفح هذا الكتاب، هو ضرورة الانتباه لما ورد عن إبراهيم في القرآن، والتفرقة بينها وبين الروايات المنسوبة إليه في آلاف الكتب والمخطوطات القائمة على الاسرائيليات، فقد ورد ذكر إبراهيم في القرآن 20 مرة فقط، ولا توجد قصة كاملة عنه وإنما مجرد إشارات عن حواراته مع والده وتجربة الفداء مع ابنه، وتجربة الحرق بعد الصدام مع الكهنة، وقصته مع الحاكم الذي ادعى الإلوهية، وكلها إشارات عامة، بدون تفاصيل، ولا مجال للبحث عن تناقض بينها وبين ما ستقرأه في هذا الكتاب.

بالنهاية هذا الكتاب حجة للناس وعليهم، وسلاح لمواجهة فتنة قادمة يراد ان يستخدم فيها اسم إبراهيم لتأسيس ديانة عصر الدجال، ولكن يبقى قوله تعالي حكما بيننا جميعا .. “من يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الاخرة لمن الصالحين”

قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون.

وتذكروا “ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين”